الطريقة المجدديَّة

ذكرى يوم الأولياء / 1445هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

فعاليات ذكرى يوم الأولياء 1445هـ

والتي تصادف يوم 11/ محرم / 1445هـ الموافق 29/ تموز / 2023م

وذلك على منصة الطريقة الشاذلية المجددية الكمالية

– خير ما نفتتح به سورة الفاتحة بصوت المقرئ الشيخ محمود القمصاني حفظه الله تعالى :

محاضرة بعنوان : حياة مولانا عبد القادر الجيلاني رحمه الله تعالى

تقديم : الدكتورة سناء صبري

 

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين

مَن تقدَّست أسماؤه وعَلَت صفات ذاته

وكانت حروفه مُوصِلاتٍ كونية لإرادته الإلهية الأزلية الأبدية

وبقُدرة حتمية .. سبحان الحيّ القيوم العليم أبداً ..

اللهم صل وسلم وبارك على الحبيب محمد صلاة مباركة بكل حروف الجمال ..

أهلاً بكم جميعاً في فعاليات احتفالنا ليوم الاولياء / 1445هـ / جعلنا الله تعالى وإياكم من أهل الحب والخصوص ، وكتبنا الله تعالى من الذين لاخوف عليهم ولا هم يحزنون ..

حيث سنقدم لكم في هذا اليوم قدرة من القدرات الحرفية في العلوم الكشفية حيث سنتحدث عن ولي من أولياء الله تعالى المشهور بـ (سلطان الاولياء ) عبد القادر الجيلاني رضي الله تعالى عنه .

حيث سنقوم بتحليل حروف اسمه المبارك ونرى سطوع تلك الحروف كيف ظهرت وصاغت حياته .. فأهلاً بكم  جميعاً ..

الآن سنقوم أعزائي معاً بتحليل اسم عبد القادر :

– تتميز شخصية عبد القادر بالقوة والفعالية .

– صاحب شخصية منفتحة ومواكب لكل ماهو جديد وعصري ويسعى دائماً إلى تطوير ذاته والارتقاء بها .

– يحب الإصلاح ويملك قدرة على المفاوضات وفض المنازعات بين المتخاصمين .

– إنسان شريف ويحب الانتماء إلى الشرفاء وهو بالفعل شريف .

– يسعى دائماً إلى الكمال وإلى كل ما يرتقي به ويجعله من الكُمل .

– طاقته الروحية متركزة على الفهم القوي .

– من صفات اسم عبد القادر أيضاً أنه إنسان معتدل يعالج الأمور بطريقة متزنة

ويتفاعل مع الأمور التي تحتاج شدة بحزم وقوة والأمور التي تحتاج إلى هدوء بتوازن ومرونة .

– لديه قدرة على تطوير الأشياء وتحديثها .

– عبد القادر يمتلك قدره إحاطية حيث أنه يستطيع أن يحيط بكثير من الأمور معاً ويحتويها بكفاءة عالية جداً .

– من صفات عبد القادر الشهرة : يحب أن يظهر ويكون معروف في الأواسط .

– النجاح دائماً حليفه .

– إنسان وجيه يساعد الناس ويسعى إلى قضاء حوائجهم ورعايتهم ، فهو وجيه في قومه تأتي إليه الناس وتساله في كثير من أمورهم .

– يحب الانتصار ويعطيه الله تعالى طاقة النصر .

– تتميز شخصيته بالبساطة والتواضع ، فكلما كنا معه أكثر بساطه كان أكثر تفاعل .

– لديه تسامي روحي متعفف ومتنزه عن صغائر الأمور .

– لديه القدرة أيضاً على إتمام الأمور إلى نهايتها .

– يعاني أيضاً في كثير من الأمور التي تحيط به وقد يجد الآخرين ممن حوله معاناة في التفاعل معه .

– ينظر إلى نهايات الأمور نظرة خاصة كيف ستنتهي وماذا سيحدث .

 

كان هذا التحليل الحرفي لبعض من صفات اسم عبد القادر .

دعونا أعزائي نراقب معاً هذه صفات كيف ظهرت وأشرقت هذه الحروف في جوانب حياة الإمام عبد القادر الجيلاني رضي الله تعالى عنه .

ولد عبد القادر الجيلاني في ربيع الثاني سنة (470 هـ) ، في جيلان شمال غرب بلاد فارس قرب بحر قزوين ، وعاش يتيماً فوالده مات وهو صغير .

 

– من الصفات التي تكلمنا عنها في التحليل السابق لاسم عبد القادر صفة الشرف .

فقد كان سيدنا عبد القادر الجيلاني من الشرفاء ذا حسب ونسب وأنعم به من نسب ، فقد اجتمعت عنده منتهى الأنساب في العلو والرفعة والشرف فهو الحسني الحسيني الصِّدِّيقِيّ .

الحسني من جهة والـده : ينتهي إلى سيدنا الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .

الحسيني من جهة والدته : ينتهي إلى سيدنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .

الصديقي من طرف جدته أم أبيه : فوالده أبو صالح موسى ابن السيدة أم سلمة بنت محمد بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضوان الله تعالى عليهم أجمعين .

 

– من صفات الامام عبد القادر الجيلاني أن طاقته الروحية متركزة على الفهم القوي .

نشأ منذ صغر سنه زاهداً في الدنيا ، مقبلاً على الآخرة ، طموحاً إلى معرفة الشريعة ( مداخلها ومخارجها ) ، وفروع العلم ، وقد ظهرت عليه علامات الولاية منذ صغره .

طلب العلم صغيراً في جيلان ، لكنّه لم يجد ما يروي طموحه وظمأه من العلم ، فحدثته نفسه بالسفر إلى بغداد ، حاضرة الدنيا ، وعاصمة العلم والعلماء آنذاك .

أخبر أمه برغبته ، فشجعته رغم كبر سنِّها ، وكانت قد قاربت (70) من عمرها ، ولم يبق من عمرها إلا القليل ، وربما لا تجتمع به مرةً أخرى في الدنيا ، فضربت له موعداً في الآخرة ، تحت لواء جدهم سيد المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، فقامت بتجهيز ولدها للسفر ، والدموع تنزل من عينيها ، وأعطته (40) ديناراً ، وخبأتها في جيبٍ خاص .

ثم أوصته وصيةً عظيمةً قائلةً له : ( يا بني إياك أن تكذب ، فإنَّ المؤمن لا يكذب ) ، وقد كانت هذه الوصية سبباً في هداية جماعةِ من قطّاع الطرق .

 

– بدأ طلبه للعلم وهو صغير وكان مقيماً في جيلان من بلاد فارس ، ثم انتقل إلى بغداد حاضرة العلم ، فدخلها سنة /488هـ/ بِنِيَّة طلب العلم ، وكان عمره آنذاك (18) سنة .

 

– ذكرنا في التحليل السابق لاسم عبد القادر انهم ينظرون إلى نهايات الأمور نظرة خاصة كيف ستنتهي وماذا سيحدث وماذا سيكسب .

فقد كان سيدنا عبد القادر الجيلاني متيقن أن مسيرته إلى الله سبحانه وتعالى وسعيه لطلب العلم ستنتهي بالعطاء والكرم الإلهي فقد سيدنا عبد القادر الجيلاني تعرض لابتلاء عظيم أول قدومه بغداد ، ففقر حاله وقلة ذات يده ، لم تساعده على التأقلم والعيش في بغداد فكان يُحَدِّث نفسه بالعودة إلى بلده ، فقد كان معززاً مكرماً بين أهله ، لكن الله تعالى ثبَّته ، يقول عن نفسه : ( كنت آكل من حواشي الأنهار ، وكنت أمشي حافياً على الشوك ، وكنت أنام في البراري والخرب ، وكنت ألبس المرقّع والرخيص من الثياب ) ، حتى ظن الناس أنه مجنون وكان هذا لقبه بينهم في بداية طلبه للعلم في بغداد .

 

– من صفات اصحاب اسم عبد القادر أن النجاح دائماً حليفهم .

ثابر سيدنا عبد القادر الجيلاني وتعب على نفسه وعاندها ، وقضى (30) عاماً من عمره في طلب العلم ، حتى برع في جميع العلوم وأصبح يناظر علماء عصره في شتى العلوم ، كان يتكلم في (13) علماً من علوم اللغة والشريعة ، حيث كان الطلاب يقرأون عليه في مدرسته دروساً في : ( التفسير ، والحديث ، والمذهب ، والخلاف ، والأصول ، واللغة ) ، وكان يقرأ القرءان الكريم بالقراءات ، فنال اعتراف العلماء بفضله عليهم .

من شيوخه الذين تأثر بهم وأخذ عنهم : حجة الإسلام ( أبو حامد الغزالي ) ، الذي سار على نهجه ، وصحح له بعض الأحاديث .

 

– من صفات سيدنا عبد القادر الجيلاني أنه كان وجيها في مجتمعه فقد تصدر الفتوى وكان قطب بغداد بالفتيا ، فقد انتهت إليه الفتوى في بغداد ، يقولون : كانت الفتاوى لا تبيت عنده ، بل كان يفتي فور وصول الفتوى إليه .

وكان يفتي على مذهبين : هما (مذهب الإمام الشافعي ) و ( مذهب الإمام أحمد ) رضي الله تعالى عنهما ، وهذا يدل على تمكن الإمام عبد القادر من العلم ، وكانت فتواه تُعرَض على العلماء بالعراق فتعجبهم أشد الإعجاب ، فيقولون : ( سبحان من أنعم عليه ) .

يقول الإمام النووي : ( كان شيخ السادة الشافعية والسادة الحنابلة ببغداد ، وانتهت إليه رئاسة العلم في وقته ، وتخرج بصحبته غير واحد من الأكابر ، وانتهى إليه أكثر أعيان مشايخ العراق ، وتتلمذ له خلق لا يحصون عدداً ، من أرباب المقامات الرفيعة ، وانعقد عليه إجماع المشايخ والعلماء بالتبجيل والإعظام ، والرجوع إلى قوله والمصير إلى حكمه ، وأُهرع إليه أهل السلوك – التصوف – من كل فجٍّ عميق ) .

 

– من صفات اسم عبد القادر أيضاً أنهم يسعون دائماً إلى الكمال ومن خلال تتبعنا سيرة حياة الامام عبد القادر الجيلاني وجدنا أنه كان صاحب شخصية كاملة .

ويصفه الإمام النووي أيضاً فيقول : وكان جميل الصفات ، شريف الأخلاق ، كامل الأدب والمروءة ، كثير التواضع ، دائم البشر ، وافر العلم والعقل ، شديد الاقتفاء لكلام الشرع وأحكامه ، معظماً لأهل العلم ، مُكرِّماً لأرباب الدين والسنة ، مبغضاً لأهل البدع والأهواء ، محباً لمريدي الحق ، مع دوام المجاهدة ولزوم المراقبة إلى الموت .

ومن كلام النووي أيضاً : ( وكان له كلامٌ عالٍ في علوم المعارف ، شديد الغضب إذا انتهكت محارم الله سبحانه وتعالى ، سخي الكف ، كريم النفس على أجمل طريقة ، لم يكن في زمنه مثله ) .

وتتلمذ على يديه عدد كبير من الفقهاء والعلماء والمحدثين .

 

– من صفات التي تكلمنا عنها في التحليل السابق لاسم عبد القادر صفة الشهرة فقد كان الامام عبد القادر الجيلاني معروفاً بعلمه وقدره بين العلماء فاصبح مشهوراً بورعه وعلمه .

فبعد أن تأسس عبد القادر علمياً ، اتجه إلى أرباب القلوب وأكابر أهل الحقيقة ، فأخذ عنهم علم التصوف الحق ، فتصدر للوعظ والإرشاد ، مع تضلعه في الكتاب والسنة الشريفة .

كان أستاذه أبو سعد المخرمي رحمه الله تعالى قد بنى مدرسة لطيفة ، ففوضت إلى عبد القادر ، فأصبح يعظ الناس ، وظهر له صيت بالزهد ، وكان له سمت وصمت ، فضاقت مدرسته بالناس ، وكان يزوره خلق كثير ، حتى قدّر بعضهم عدد الحضور بـ ( 70 ألف ) ، فعُمِّرت المدرسة ووُسِّعت عدة مرات ، وأقام في مدرسته يدرس ويعظ إلى أن توفي بالعلم المتين ، والإيمان العميق ، أظهر الله تعالى الحكمة من قلبه على لسانه ، حتى صار من أشهر الأولياء ، الذين وقع عليهم الإجماع في ولايتهم عند جميع أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم .

وقد مدحه الإمام ابن تيمية فقال : ( هذا هو التصوف الحق ) .

أثنى عليه الإمام أبو الحسن الندوي في كتابه ( رجال الفكر والدعوة ) فقال : لم يمنعه اشتغاله بالوعظ والإرشاد وتربية النفوس ، من الاشتغال بالتدريس ، ونشر العلم ، ونصر السنة والعقيدة الصحيحة ، ومحاربة البدع ، وقد كان في العقيدة والفروع ، متبعاً للإمام أحمد والمُحَدِّثين السلف .

 

– من صفات الامام عبد القادر الجيلاني والتي ذكرناها سابقاً صفة التوازن والاعتدال .

استطاع الإمام عبد القادر الجيلاني ، أن يوازن بين العلم والإيمان ، بين الشريعة والأخلاق ، ففاق علماء عصره ، وحلّق فوق رؤوسهم ، بجناحين : أحدهما يحمل فيه علم الشريعة ، والآخر يحمل فيه علم العقيدة والسلوك والروحانيات ، فكان مثالاً يحتذى به على مرِّ العصور .

 

– من صفات سيدنا الامام عبد القادر الجيلاني أيضاً أن لديه قدرة إحاطة شمولية .

إنّ ما يميز عبد القادر الجيلاني ، عن علماء عصره : روحانياته وأخلاقه ، إضافة لإحاطته لكثير من العلوم ، فقد كان يحيط بعلوم الشريعة وعلوم الحقيقة بالإضافة إلى كثير من علوم الأدب واللغة والحديث والأصول .

أما عن روحانياته : فهو صُوفِي سُنِّي على نهج النبي محمد صلوات الله تعالى وسلامه عليه ، فالصوفية ليست كلها على خطأ وضلال وبعدٍ عن شرع الله تعالى .

وأما عن أخلاقه العظيمة فهذه بعض الجوانب منها :

يقول عن نفسه : ( فتَّشتُ الأعمال كلها ، فما وجدت أفضل من إطعام الطعام ، ولا أشرف من الخلق الحسن ، أود لو كانت الدنيا بيدي لأطعمتها الجائع ) .

عاتبه أحد الأشخاص عن بذله المال بسخاء ، فقال : تأتيك الأموال وتوزعها على الناس وتبقى على فقرك ؟ ، فقال : ماذا أفعل ؟ فكَفِّي مثقوبٌة ، لا تضبط شيئاً ، ولو جاءني /1000/ دينار من الذهب لا تبيت عندي .

 

– من صفات الامام عبد القادر الجيلاني صفة القدسية ، فقد كان ينزه نفسه عن ارتكاب المعاصي حتى في أصعب الظروف .

حدثت له قصة في طريق سفره : اعترضت قافلتهم مجموعة من قطاع الطرق ، وأخذوا كل متاع الناس وأموالهم ، فلما سألوه : هل تحمل شيئاً ؟ قال : نعم / 40 / ديناراً ذهباً ، فقاموا بتفتيشه فلم يجدوا شيء ، فقالوا : هل معك شيء ، أم تراك تكذب علينا ؟ ، قال : نعم معي / 40 / ديناراً في ثيابي ، فقالوا : أخرجها ، فأخرجها من ثيابه ، فتعجبوا من فعله هذا ، وأخبروا زعيم عصابتهم ، فسأله : لم فعلت هذا ولم تنكر وجود المال معك ؟ ، فقال : عاهدت الله تعالى وعاهدت أمي ألا أكذب أبداً ، فاهتزّ زعيم العصابة وقال : سامحني واقبل عذري ، وقد تبت إلى الله تعالى على يديك ، وما كانت توبة هذا الزعيم إلا ببركة صدق عبد القادر مع الله سبحانه وتعالى .

 

– من أبرز صفات الامام عبد القادر الجيلاني صفة التواضع والبساطة .

كان يجالس الفقراء ، ويلاطف الصغار ، ويتواضع لكل الناس ، وربما يقف ساعات طوال مع الناس ليقضي لهم حاجاتهم دون تململ .

يملك عزة نفس تمنعه أن يقوم لأحد من كبار أعيان الدولة ، فلم يقف قط على باب وزيرٍ أو سلطان .

رحم الله تعالى سلطان العارفين وسليل بيت النبوة ، الإمام عبد القادر الجيلاني ، الذي وصل إلى أعلى درجات العلم ، وارتقى أعلى درجات التزكية والتصوف ، فكان بحق من العلماء المبدعين المجددين .

وبقيت سيرته منارةً تُضيء الطريق لأبناء أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وتأخذ بيدهم لنشر العلم والإيمان الحق ..

الأولياء رحمة لنا .. ومعرفتهم ودراسة حياتهم نور .. فعيشوا الرحمة والنور مبتهجين بهذه النعمة .

شكرا لحضوركم الطيب .. ولمشاركتكم رقائق المحبة .

وكل عام وكل أولياء الله تعالى بخير وحب وسلام .

بعض من تعليقات الحضور

السيدة طرفندة عرفات :

بارك الله بك دكتورة سناء على هذه المحاضره الرائعة جزاك الله كل خير يارب العالمين وجعلها في ميزان حسناتك يارب العالمين .

 

الأستاذ خلدون لبزو :

الشكر موصول لكم د.سناء محاضرة جميلة وشيقة ما شاء الله ، زادكم الله تعالى من علومه وفهومه ورفع قدركم إن شاء الله تعالى .

 

الأستاذة ختام خرابشة :

جزاكم الله خيراً دكتورة سناء ..
محاضرة رائعة و أمسية جميلة
جعلها الله تعالى في ميزان حسناتكم .

 

الأستاذ محمد السقاف :

شكراً جزيلاً لكم دكتوره سناء وجزاك الله خيراً
محاضرة طيبة ويذكر الصالحين تتنزل الرحمات الحمد لله رب العالمين على نعمة الأولياء في الأمة المحمدية والحمد لله رب العالمين على نعمة الوريث المحمدي العارف بالله تعالى الشيخ الدكتور هانيبال يوسف حرب حفظه الله وأمد في عمره ونفعنا به واكرمنا الحق بالفتوح وصول على يديه أن شاء الله تعالى في عوافي والطاف وطوى لنا السلوك واوصلنا للشهود والعرفان ياكريم يا أكرم الأكرمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين . 

 

الأستاذة تغريد العنقاوي :

الحمد لله رب العالمين على نعمة الأولياء
الحمد لله رب العالمين على نعمة الولي المرشد حفظه الله تعالى ورعاه و امده من واسع فضله يارب العالمين

الشكر موصول لك د.سناء .. محاضرة علمية قيمة طيبة بأنفاس الأولياء الصالحين و العارفين جزاهم الله خيرا مطلقا و جزاك الله خيرا كثيرا د.سناء على ما جهودك المباركة وجعلها الله في صحيفتك ..
وكل عام وانتم بخير وصحة وسعادة يارب العالمين ..
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

كلمة المدير العام للطريقة الشاذلية المجددية الكمالية

السيدة سلوى عرفات

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
الرحمن الرحيم ملك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين
اهدنا الصراط المستقيم
صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين .

أقف اليوم بينكم أعزائي المضيئين والمضيئات لنحتفي معاً بذكرى الأولياء ، و كلّي حمد وشكر أن أقامني بينكم ، و لولا محبة الله تعالى لي لما كنت اليوم بينكم .
نحتفل اليوم بالأولياء ، و مَن أحق منهم بالاحتفاء بعد رسل الله تعالى و أنبيائه سلام الله تعالى عليهم و صلواته .

اللهم رب الأنوار صَلِّ على نورك محمد صلاة تشرق حقائقها في ذواتنا وتجمعنا به في حالنا ومآلنا وتسخر بها العوالم لنا رحمة منك ورضا وحب وآله وصحبه وسلم عدد خلقك ورضاء نفسك وزنة عرشك ومداد كلماتك .

أتقدم لبشارة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأجمل التهاني والتبريكات الشيخ الدكتور هانيبال يوسف حرب حفظه الله تعالى .

عشنا سنوات من العمر إن لم تكن عقوداً من هذه السنوات و نحن نتلقى تعاليم ديننا الحنيف من خلال المناهج المدرسية و الكتب و البرامج التي تبث عبر الإعلام ، تعلمنا أركان الإسلام و أركان الإيمان ، ركّزنا كثيرا على الصوم و الصلاة ، لدرجةٍ اعتقدنا فيها أن كثرة الصوم و الصلاة هما الأساس ، لم نكن نعلم حقيقة مغيبين عنها و مغيبة عنّا ، ألا وهي حقيقة الولاية في الإيمان .

كثيرة هي الأدلة في القرءان الكريم و السنّة النبوية الشريفة التي وردت فيها حقيقة الولاية ، والتي وضحت لنا بأن غاية الإيمان هي الموالاة في الله تعالى ، فعلينا أن نوالي في الله تعالى ونعادي في الله تعالى ، و ننفق في الله تعالى ، فقضية الموالاة ليست قضية هامشية حتى يتم التغاضي عنها بهذا الشكل ، فأن تكون وليّاً لله تعالى ويكون الحق وليّك من أهم الأمور بل هي أساس في الإسلام .

يقول الله تبارك وتعالى : { اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {257} سورة البقرة .

عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ” دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا ابن مسعود ، أيّ عرى الإيمان أوثق ، قلت الله و رسوله أعلم ، قال : أوثق عرى الإسلام ، الولاية في الله و الحب في الله و البغض في الله “ رواه الطبراني .

عن عمرو بن الجموح أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ” لا يجد العبد صريح الإيمان حتى يحب لله ويبغض لله ، فإذا أحب لله تبارك وتعالى وأبغض لله فقد استحق الولاية من الله ” .

و الأولياء هم الصف الأول للأمة بين يدي رحمة الله تعالى ، فقد روى أبو نعيم عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ، قال لي النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ” أحب في الله وأبغض في الله وعادي في الله ، فإنك لن تنال ولاية الله إلا في ذلك ، ولا يجد رجل طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصيامه حتى يكون كذلك ” .

لقد حدّثنا يوماً سماحة علّامتنا الشيخ الدكتور هانيبال يوسف حرب حفظه الله تعالى ، أننا لندخل تحت حياض قوله تعالى { اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ } وجب علينا استخدام مفتاح الولاية والذي يتكون من أربعة أسنان هي الحب والموالاة يقابلها البغض والمعاداة ، وكل ذلك يكون في الله تعالى .

لقد تم تغيِيبنا عن حقيقة الولاية بين يديّ الله تعالى ، لقد كان الصحابة والأمة المحمدية والتابعين وأتباع التابعين على هذه الولاية ولهذا فتحوا معظم دول العالم وحكموا الكرة الأرضية ، واليوم يحاول الغرب جاهداً إقصاءنا عن هذه الحقيقة ، كي لا نكون أولياءً لله تعالى ، ليس هذا فحسب ، بل يريدون أن يصنعوا منّا عبيداً لغير المسلمين ، عبيداً لمن يكفر ويشرك بالله تعالى ، ويعلّمونا أن نوالي من يعادي الله تعالى ، ويبعدونا قدر استطاعتهم عن حقيقة الولاية ، لكن لا بدّ من صحوة لأبناء الأمة الإسلامية وما دمنا نسير في سلوكنا إلى الحق عز وجل في طريقتنا الشاذلية المجددية الكمالية تحت مظلة وليّنا و شيخنا بشارة رسول الله الدكتور هانيبال يوسف حرب وبحُسن ظننا بالله تعالى يتحقق لنا كل ما نسعى إليه .

وفي الختام أدعو الله بدعاء تعلمته عن سماحة مولانا ، دعا به في ذكرى سابقة ليوم الأولياء :
اللهم صلّ على حبيبي محمد صلاة حب تسري من الأزل إلى الأبد تتعشقها أرواح العاشقين وتستلذها وتتمناها أرواح الأولياء وتندهش وتُذهل لنورها بين يديك يارب أرواح الملائكة عدد خلقك ورضاء نفسك وزنة عرشك ومداد كلماتك مع كل لمحة ونفس في كل وقت وحين .

محاضرة بعنوان : السيد ابو العباس المرسي

تقديم : الباحث أحمد حسني

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين

الرحمن الرحيم ملك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين

إهدنا الصراط المستقيم

صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين

والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا

إنك تجعل الحزن إذا شئت سهلاً سهلا

لاتكلنا لأنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك

رحمتك نرجو ، إن ربي هو الفتاح العليم .

سبحان ربي العلي الأعلى الوهاب وبعد :

محاضرتي معكم الليلة عن السيد أبو العباس المرسي رضي الله تعالى عنه وأرضاه .

أهلاً بكم جميعاً في احتفالية ذكرى يوم الأولياء لعام / 1445 / هجري

كل عام وبشارة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخير وبركة الشيخ الحبيب د.هانيبال يوسف حرب .

كل عام وأولياء الله تعالى بخير وبركة .

كل عام وأولياء الله تعالى لاخوف عليهم ولاهم يحزنون .

كل عام وانتم بخير بمناسبة ذكرى يوم الأولياء .

 

الحمد لله الذى جعل السعادة في صحبة السعداء . وأفاض من علومه وأسراره على قلوب العارفين والأولياء . وقربهم من حضرته واجتباهم فهم أهل التكريم والاصطفاء وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد إمام الأنبياء وخيرة الأصفياء وأكرم الكرماء الذي ببركة قوله نارت صدور العلماء وانجلت بطلعة صبح جبينه الظلماء . وعلى آله الطاهرين الأصفياء . صلاة وسلاماً يملآن الأرض والسماء وبعد :

فهذه سيرة رجل من كمل العارفين ، وصفوة الوارثين الذين أشار إليهم الحق في كتابه المبين بقوله :

{ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا { 32 } فاطر .

نسبه رضي الله تعالى عنه وأرضاه :

سيدي أبو العباس المرسي واسمه أحمد ، والعباس كُنية باسم ابنه ، كسيدي أبو الحسن الشاذلي فاسمه عليّ ، والحسن اسم ابنه ، كالمعتاد أننا ننادي أي أب باسم ابنه الأكبر ، وهذا على سبيل التوقير والاحترام ، وهذا أسلوب تبناه الحبيب محمد صلى الله عليه وآله وسلم وورثه لنا على الدوام .

وأبو العباس ينتسب إلى سيدنا سعد بن عُبادة الخزرجي الأنصاري ، يعني هو من الأنصار من قبيلة الخزرج ، وهذه نضع تحتها خطوط ، لأن بعض الناس نتيجة العصبية غير المرضية يدَّعي أنه لن ينال الولاية ولا القطبانية ولا الوراثة إلا من كان من ذرية الحسن والحسين ، وهذا تحجير لفضل الله سبحانه وتعالى .

وإلا من الذي نال رتبة الصديقية ؟ سيدنا أبو بكر ، ومن الذي نال رتبة الفراسة النورانية ؟ سيدنا عمر بن الخطاب ، وكان صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ” إِنَّهُ قَدْ كَانَ فِيمَا مَضَى قَبْلَكُمْ مِنَ الْأُمَمِ مُحَدَّثُونَ وَإِنَّهُ إِنْ كَانَ فِي أُمَّتِي هَذِهِ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ” .

وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان منهم الأقطاب والأنجاب والأوتاد ، وينتسبون روحانياً إلى حضرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ، لأن المهم النسب الروحاني .

صحيح البخاري ومسند أحمد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه .

 

سيدي أبو العباس المرسي رضي الله تعالى عنه سُمي المرسي لأنه وُلد في مدينة مرسية في اسبانيا الآن ، وكانت تُسمى بلاد الأندلس ، وكانت كلها مسلمين ، ونسأل الله تعالى أن يردها إلى الإسلام كاملةً إن شاء الله تعالى ، والحمد لله هناك صحوة إسلامية عظيمة الآن ، وبدأوا يرجعون إلى الإسلام ، وهذه عظمة دين الله سبحانه وتعالى .

فوُلد في مَرسيِّة ، وأبوه كان رجلاً من كبار التجار ، ولأنه من كبار التجار أرسله للكُتَّاب ، فحفظ القرءان الكريم ، وتفقَّه في دين الله تبارك وتعالى .

وكان للأب ولدان هما أحمد ومحمد ، ولم يكن معه غيرهما ، وعزم الأب على أن يذهب لحج بيت الله الحرام هو وزوجته وأولاده الإثنين ، وركبوا السفينة ، وفي وسط البحر مقابل مدينة تونس هاج الموج وغرقت السفينة ، واستُشهد الأب ، واستُشهدت الأُم ، ولم ينجوا إلا الولدين أحمد ومحمد ، فذهبا إلى تونس .

فمحمد اختار أن يمارس مهنة أبيه وهي التجارة ، وأحمد كان شيخه الذي يُحفِّظه القرءان الكريم رجلاً من الصالحين من أهل البصيرة ، وكان معظم مُحفظي القرءان الكريم على هذه الشاكلة ، لماذا ؟ للحديث الذي يقول : ” خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ ” .

فكان شيخه من أهل البصيرة ، وكان معجباً به ، فاختار سيدي أبو العباس أن يُحفِّظ القرءان الكريم كشيخه الذي تعلم على يديه في مكتب التحفيظ في بلده مرسية .

صحيح البخاري والترمذي عن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه .

 

– في صحبة أبو الحسن الشاذلي :

ظهر في هذا الوقت في تونس سيدي أبو الحسن الشاذلي ، وسيدي أبو الحسن رضى الله تعالى عنه مكث في غار في جبل بجوار بلد اسمها شاذُلة بتونس سبع سنين ، ولذلك سُمي الشاذلي ، وظل طوال هذه المدة متفرغاً لعبادة الله تعالى وطاعته ، حتى فتح الله تعالى له وسمع نداءاً من الله عز وجل  يقول : ” يا علي انزل اهد الناس إلينا ، قال : قلت : يا سيدي تتركني لخلقك هذا يُطعمني وهذا يحرمني ؟ قال : أنفق ولا تخشى من ذي العرش إقلالاً ، إن شئت من الجيب ، وإن شئت من الغيب ” .

يعني تريد أن نضع المال في جيبك وما تحتاجه تأخذه فلا مانع ، وإن أردت أن ينزل لك من فضل الله تعالى في وقته ، فلا مانع ، لأن الله تعالى إذا أقام رجلاً لدعوته أعانه وقواه بمعونته وتوفيقه سبحانه وتعالى .

فيحكي سيدي أبو العباس ويقول : جاءني رجلٌ وقال لي : هل زرت الشيخ أبو الحسن الشاذلي ؟ فقلت له: لا ، فقال لي : أفلا تأتي معي لنزوره ؟ فقلت له : حتى أستخير الله تعالى : ( مَا خَابَ مَنِ اسْتَخَارَ ، وَلا نَدِمَ مَنِ اسْتَشَارَ ) .

قال : فاستخرتُ الله تعالى فرأيتُ في هذه الليلة رجلاً جالساً يلبس برنوساً أخضر – والبرنوس كالعباءة ، ولكن يلبسه أهل المغرب وتونس والجزائر – يقول : ووجدتُ رجلاً عن يمينه ورجلاً عن يساره ، فسلَّمتُ عليه فقال لي : وصلت يا خليفة الزمان .

يقول : وفي الصباح قلت للرجل : هيا بنا ، فذهبت ووجدتُ الشيخ بهيئته التي رأيتها في المنام ، يلبس البُرنوس الأخضر ، ورجل عن يمينه ، ورجل عن شماله ، فسلمتُ عليه ، وعندما سلمتُ عليه قال : عثُرت على خليفة الزمان ! ( معجم الطبراني ومسند الشهاب عن أنس رضي الله تعالى عنه ) .

فسألني عن اسمي ، فحكيتُ له نسبي إلى سعد بن عبادة الأنصاري رضي الله تعالى عنه وأرضاه ، فقال : رُفع لي اسمك منذ عشر سنوات وأنا أنتظرك .

وتتلمذ على يد سيدي أبو الحسن الشاذلي ، وتربي على يديه ، إلى أن وصل إلى حال يقول فيه شيخه سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله تعالى عنه : أبو العباس منذ أن وصل إلى الله تعالى لم يُحجب أبداً ! .

لم يحجبه شيء عن الله تعالى طرفة عين ولا أقل ، لماذا ؟ لأنه مشغولٌ بالكلية بالله سبحانه وتعالى ، وليس له هدف أو غرض فاني أو داني ، وإنما غرضه وهدفه كله في رضاء الله تبارك وتعالى .

وذات مرة أراد الدخول على الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله تعالى عنه ، والشيخ أبو الحسن كان له خادم اسمه الشيخ ماضي بن سلطان ، وكان قد انضم إليه عندما كان قادماً من تونس إلى مصر ، وكان هذا الخادم هو الذي يُدخل الناس على الشيخ ، فمنعه من الدخول ، وحدث شدٌّ بين الخادم وبين أبي العباس ، فإذا بالشيخ أبو الحسن ينادي على ماضي ويقول له : يا ماضي لا تُعنِّف أبا العباس ، فوالله لهو أعلم بأزقة السماء منك بأزقة الإسكندرية !! .

يعني يعرف طرق السماء أكثر من معرفتك بطرق الإسكندرية ، لماذا ؟ لصفائه ونقائه وإقباله بالكلية على الله تبارك وتعالى .

وكما يحدث في كل زمانٍ ومكان ، فإن قاضي قضاة تونس وكان اسمه ابن البراء حسد الشيخ أبو الحسن الشاذلي عندما وجد الخلق يلتفون حوله ، وقال : لماذا يلتَّف الناس حول هذا الرجل ، وأنا قاضي القضاة ولا أحد يلتَّف من حولي ؟!! ، فوشى بوشاية إلى ملك تونس ، وقال له : هذا الرجل علوي ، يعني من العلويين ، وأتى ليُمهِّد لهم ليأخذوا منك الملك وتكون الدولة تابعة للعلويين إلى الإسكندرية .

والملوك دائماً يخافون على كراسيهُم ، فحدث سوء فهم بينهم ، فرحل الشيخ أبو الحسن رضي الله تعالى عنه وأرضاه إلى مصر ، لأن سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم جاءه في المنام وقال له : ” يا علي اذهب إلى الإسكندرية فإنك ستربي هناك أربعين رجلاً : فلان وفلان وفلان … وأعطاه كشفاً بأسماء الرجال الذين سيربيهم ” .

فمشى ، ومعه أبو العباس ، ومعه الشيخ ماضي ، ومعه تلاميذه الأجواد ، فقال لسيدنا رسول الله في المنام : يا سيدي الطريق طويل ، والجو صيفٌ ، والماء شحيح ، فكيف أمشي ؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم له : إذا أقمناك أعناك .

فمشى – كما تحكي الروايات – وفوقه سحابة تُظلهم طوال الطريق من تونس إلى الإسكندرية ، وكلما نضب الماء الذي معهم أمطرت السحابة الماء ، فيشربون ويملؤون أسقيتهم ، واستمروا في المسير حتى وصلوا إلى الإسكندرية .

 

– خليفة الشيخ :

ولكن لمن أعطى الطريق بعده ؟ لياقوت العرش ، وهذا شيء من الغرائب ، لأنه ذات يومٍ كان جالساً مع أصحابه فقال لهم : اصنعوا لنا اليوم ثريد ولحم ، والثريد هو الفتّة ، قالوا : ولِمَ ؟ قال : الآن وُلد ياقوت العرش ببلاد الحبشة .

وكان في هذه الأيام يذهب التجار إلى هذه البلاد ويمسكون بالأطفال الصغار ويأتون بهم ويبيعونهم على هيئة عبيد ، فكان من جملة من أتى به التجار ( ياقوت ) ، وكان التاجر الذي أتى بياقوت من أحباب سيدي أبو العباس المرسي رضى الله تعالى عنه وأرضاه .

وأثناء قدومهم هاج الموج في البحر ، فقال الرجل : يا رب بحق سيدي أبي العباس المرسي نجنا ، ولله عليَّ نذرٌ إن أنجانا الله لأهب هذا العبد لسيدي أبي العباس المرسي ، وكان هذا العبد هو ياقوت .

فسكن الموج في الحال ، وسارت السفينة ، وبعد سيرهم إذا بياقوت يُصاب بمرض جلدي في رأسه ، فقال التاجر : هل أُعطي للشيخ هذا العبد المريض ؟! ، واختار عبداً آخر أجلد منه وأقوى ، وقال : هذا الذي أُعطيه للشيخ .

وكان من عادة سيدي أبو العباس المرسي رضي الله تعالى عنه أنه كان يخرج تقريباً كل يوم هو وأصحابه من بعد صلاة العصر يمشون على شاطئ البحر يتريضون رياضة بدنية ورياضة روحية ، فيتفكرون في آلاء الله تعالى ، ويوجههم التوجيه الصحيح الذي ينبغي أن يسيروا عليه حتى يصلوا إلى الله تعالى .

فذات يومٍ قال لهم : هيا نذهب جهة الميناء ، وعند الميناء كانت الباخرة قد وصلت ، فنزل التاجر وسلَّم عليه وأخذ يشكره وقال له : ببركتك أنجانا الله تعالى ، وجاء بالعبد الذي اختاره ليعطيه له ، فقال له : لا ، بل نريد عبدنا ، فقال له : إنه مريض ، فقال : وما شأنك ؟! .

فأخذه ورباه وزوَّجه ابنته ، وصار هو الوارث والخليفة عنه بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى ، وسمَّاه بياقوت العرشي لأن قلبه كان دائماً يطوف بعرش الرحمن ! .

وذات يوم دخل ملك مصر وهو السلطان حسن على سيدي أبو العباس المرسي ، فلم يقُم له ، وسلَّم عليه جالساً ، ثم دخل عليه ياقوت العرش فقام له ، فالسلطان أخذته الغيرة ، كيف يُسلِّم عليَّ وهو جالس ويقف لهذا الرجل ؟! فقال الشيخ : يا ياقوت أنا صدري ضيق ، وأُشعر بحرج وألمٍ شديد ، فبكى ياقوت ، وكانت السماء صحو ، فإذا بالسماء تتلبَّد بالغيوم ، فقال : يا ياقوت الحمد لله فرَّج الله عني وشرح صدري !!

فتبسَّم ياقوت ، فانقشعت السُحب من السماء !!

فقال سيدي أبو العباس للملك : أنتم ملوكٌ أرضية ، وهؤلاء ملوكٌ سماوية .

هؤلاء ملوك في السماء العلوية ، … فإذا كنت تقول في نفسك إنه عبدٌ …

فإن الله تعالى يقول فيه : { إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ {59} سورة الزخرف .

عبد وأنعم عليه مولاه ، فماذا تريد بعد ذلك ؟! .

أقام سيدي أبو العباس المرسي في الإسكندرية مع سيدي أبو الحسن الشاذلي ، وكان سيدي أبو الحسن الشاذلي يحجُّ كل عام .

وفي الحج كانوا يركبون في نهر النيل من مدينة الإسكندرية إلى مدينة القاهرة ، ومن القاهرة إلى مدينة قنا ، وفي قنا ينزلون ويركبون الإبل إلى شاطئ البحر الأحمر ، وهناك بلدة موجودة على شاطئ البحر مقابل مدينة جدة ، فيركبون منها السفينة إلى جدة ، وكان هذا طريق الحج لكل من يحُج من مصر ، أو من بلاد المغرب .

والصالحون لهم بصائر يهبها لهم رب العالمين يقول فيها لحبيبه ومصطفاه : { قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي  وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ {108} سورة يوسف .

 

ما الشرط الأول الذي تعرف أن هذا الرجل من ورثة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟

أن يكون معه شيء من البصيرة ، فإن لم يكن معه البصيرة فكيف سيُعرِّف غيره ؟! هو لا يرى فماذا سيُريه ؟! .

فلما وصل الشيخ أبو الحسن الشاذلي في رحلته الأخيرة إلى بلدة أخميم في صعيد مصر ، قال للخادم : أحضر فأساً ومقطفاً ، فقال له : لماذا ؟

فقال : في حُميثرة سوف ترى ، فجهز فأساً ومقطفاً .

وكان الشيخ أبو الحسن قد سأل الله عزوجل أن يقبض روحه وهو ساجد ، وفي مكان لم يُعص الله تعالى فيه قط ، يعني لم تظهر فيه أي معصية من المعاصي ، وهؤلاء قال فيهم الله تعالى : { لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ  ذَٰلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ {34} سورة الزمر .

كل ما يتمناه يُعطيه له الله تعالى على الفور .

وحُميثرة مكان في وسط الصحراء ، ولم تكن بلداً ، لكنهم كانوا ينزلون بجوارها لأنه كان فيها بئر ليتزودوا بالماء ، وإن كان الماء ليس عذباً إلى حد ما ولكنه ماء .

ففي حُميثرة دعا سيدي أبو الحسن المريدين وأوصاهم ، وقال لهم : إذا أنا متُّ فعليكم بأبي العباس المرسي ، ثم قال لهم : إنه رجلٌ من رجالات الله تعالى ، وهو بابٌ من أبواب الله سبحانه وتعالى لمن أراد أن يوصِّله الله تعالى إلى رضاه .

وانفرد بأبي العباس بعد أن صرف المريدين وأوصاه بأمور ، ثم قال للخادم اعطني شربة ماء من البئر ، قال : ياسيدي عندي ماءٌ عذبٌ ، قال : أريد شربةً من البئر ، فجاءه بشربة من البئر فأخذها وتمضمض بها ثم أنزلها في الكوب وقال له : ألقِ بهذا الماء في البئر يكون عذباً إن شاء الله تعالى ، وهذا ما حدث فعلاً ، فوضع الماء في البئر فصار ماءه عذباً فراتاً ! .

وصرف سيدي أبو العباس المرسي في الثُلث الأخير من الليل ..

وأخذ يُصلِّي ، وهو في الصلاة سجد وأطال ، قال ابنه : فظننا أنه نام ، فحركناه فإذا هو ميت ، فمات وهو ساجد كما طلب ، وتحققت نبوءته ، فاحتاجوا هنا إلى الفأس والمقطف ، وحفروا له ودفنوه .

 

وقال تلاميذه :

نرجع هذا العام عن الحج ، فقال سيدي أبو العباس : أمرني الشيخ أن أُكمل بكم الحج هذا العام ، وأخبرني أن الله تعالى سيؤيدنا بآياتٍ في هذا الحج .

وتولى سيدي أبو العباس المرسي خلافة الطريقة الشاذلية .

ومكث في الإسكندرية ثلاثة وأربعين سنة متفرغاً بالكلية للدعوة إلى الله تبارك وتعالى ، ليس له شأنٌ إلا بالدعوة إلى الله تعالى … وإرشاد الخلق إلى المنهج الصحيح الموصِّل إلى حضرة الله عزوجل .

وكان منهجه يقوم على العلم والعمل . لا بد من العلم الشرعي أولاً .

ثم العمل بما علم ، قال صلى الله عليه وآله وسلم : ” مَنْ عَمِلَ بِما عَلِمَ أَوْرَثَهُ الله عِلْمُ ما لَمْ يَعْلَمْ ” .

وجمع الله تعالى عليه الرجال الصالحين . ( حلية الأولياء لأبي نعيم وأحمد عن أنس رضي الله تعالى عنه ) .

وفتح الله تعالى له من الفتوحات الإلهية ما لا تحويه أوراق ولا كلمات الكاتبين .

فكان مثلاً درسه الذي اشتهر به ، كان يطلب من أحد تلاميذه أن يقرأ له في بابٍ من أبواب كتاب الرسالة للإمام القُشيري ، وكتاب الرسالة كل باب يبدأ بآية قرءانية وحديث ، فكان يقرأ الآية ويقرأ الحديث ثم يقول له : كفى ، وينطلق في شرح الحديث بفيوضات إلهية لا عدَّ لها ولا حدَّ لها .

الكلام في شأن سيدي أبي العباس كثيرٌ وكثير !!!

ولكن أكتفي بهذا النزر اليسير .

وصلى الله وسلَّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم .

بسم الله الرحمن الرحيم : { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ {58} سورة يونس .

 

روابط محاضراتي بمناسبة ذكرى يوم الأولياء بالأعوام السابقة :

– محاضرة : الإمام الشاذلي والطريقة الشاذلية .

https://t.me/FG_Group_Academy_Turkey/26782

– محاضرة : الصحبة والطريق إلى الله تعالى .

https://t.me/FG_Group_Academy_Turkey/26699

– محاضرة : السيد أحمد البدوي .

https://t.me/FG_Group_Academy_Turkey/36117

تمت والحمد لله رب العالمين

وكل عام وأولياء الله تعالى بكل النور والخير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى