مجلة كلمة الله تعالى

(الإنسان مخلوق ويَخلق – بقلم : الدكتورة نور ميري – العدد (78

” عدد خاص “
تكريماً لسعادة سفيرة إتحاد البرمجة الحرفية الكونية الروحية الدكتورة نور ميري حفظها الله تعالى

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صلي على خير الخلق و حبيب الحق محمد سيد المخلوقات و سين الكائنات المبعوث رحمة للعالمين

و على آله و صحبه أجمعين

” فما كان معجزة لنبي جاز أن يكون كرامة لولي “

نعلم أن الإنسان مخلوق بقدرة الخالق جل وعلا الذي عندما أراد للشيء -أياً كان- أن يكون قال له كن فكان- ذاك الشيء- في هذا العالم ، قال تعالى : (( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ )) يس 82

و نعلم أن الإنسان هو أشرف مخلوقات الله على الإطلاق , حيث خلقه تعالى على صورته و نفخ فيه من روحه و نصّبه خليفة له على هذا الكوكب ليعمره بإرادة الحق و أوامره تعالى .

عن النبي صلى الله عليه وآله و سلم قال : ” خلق الله آدم على صورته ” أخرجه البخاري .

عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” إن الله عز وجل خلق آدم على صورته ” أخرجه أحمد .

قال تعالى : (( فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ )) الحجر29

(( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ )) البقرة 30    

لكن ما يغفل عنه الكثيرون هو أن (الإنسان يَخلق) , فأين الدليل ؟

قال تعالى في كتابه الكريم مخاطباً سيدنا عيسى ابن مريم عليه السلام : ((.. وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي .. فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ )) المائدة 110

فالتخليق هو قدرة ممنوحة من الله تعالى للإنسان , و لا عجب في ذلك كونه خليفته و على قدر خاص من التشريف كما ذكرنا سابقاً , إلا أن من الضروري أن لا ننسى أن تخليق الإنسان إنما يتم بإذن الله سبحانه و تعالى الذي هو على كل شيء قدير (( فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي ) .

و قد يحتج البعض بأن هذه القدرة الممنوحة هي خاصة فقط بسيدنا عيسى عليه السلام من كونه نبي خصه الله تعالى بالمعجزات , و لكن الحقيقة أن الله تعالى إنما جعل معجزات أنبيائه وأوليائه عن علم , فمن تعلّم هذا العلم المخصوص وفق قواعده الخاصة جاز له أن يحوز تلك القدرة من فضل الله تعالى حينما يشاء و بإذنه .

عن سيدنا محمد صلى الله عليه و آله وسلم قال: ” إن العلماء ورثة الأنبياء ، إن الأنبياء لم يورّثوا دينارا ولا درهما ، إنما ورّثوا العلم ، فمن أخذه أخذ بحظ وافر ” أخرجه الترمذي وابن ماجه، و جاء في الأثر عن سيدنا محمد : ” ما اتخذ الله وليا جاهلا قط , و لو اتخذه لعلمه ” .

و قد شوهدت هذه القدرة فعلاً و حقيقة على بعض أولياء الشام الكرام ممن أذن الله تعالى لهم بحيازتها, “فما كان معجزة لنبي جاز أن يكون كرامة لولي “، كما اتفق الكثير من الأئمة و العلماء و منهم ابن تيمية والرازي و النووي و ابن حجر و النيسابوري.

و إن لذاك التخليق الإنساني أنواع و آليات مختلفة , نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر :

النفخ : كما كان يفعل سيدنا عيسى عليه السلام , ((.. فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ .. )) آل عمران 49 .

القول (الكلمة) : كما في التسبيح حيث يتخلّق من لفظ الإنسان ملاك يسبّح الله عز وجل طائفاً تحت العرش حتى يوم البعث معرّفاً باسم من تخلّق من قوله, كما جاء في كتاب إحياء علوم الدين للغزالي “روي أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تولت عني الدنيا وقلت ذات يدي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأين أنت من صلاة الملائكة وتسبيح الخلائق و بها يرزقون؟ قال فقلت وماذا يا رسول الله؟ قال: قل سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم، أستغفر الله مائة مرة ما بين طلوع الفجر إلى أن تصلى الصبح تأتيك الدنيا راغمة صاغرة ويخلق الله عز وجل من كل كلمة ملكا يسبح الله تعالى إلى يوم القيامة لك ثوابه “

النكاح : فالجهاز التناسلي لكل من الذكر أو الأنثى ما هو حقيقة إلا جهاز تخليق يُنتج إما نطافاً أو بويضات , ثم يتبع ذلك عند الالتقاء تخليق كائن بشري بإذن الله سبحانه تعالى و أمره و بذا يكون عادة تكاثر بني البشر و عمار الأرض، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” النكاح من سنتي ، فمن لم يعمل بسنتي فليس مني ، وتزوجوا ، فإني مكاثر بكم الأمم .. * سنن ابن ماجه .

هذا فيما يخص التخليق الإنساني ( أي التخليق الذي يقوم به الإنسان و الذي قد يختلف بطبيعته أو آلياته عن تخليق غيره من كائنات هذا الوجود كالملائكة أو الحيوانات ) , و به يكون للإنسان التخلّق أو التحقق باسمه تعالى (الخالق) أو (الخلاَّق : و هو مبالغة في الخلق ) والتي تعد حسب تصنيف الأسماء الإلهية من أسماء الأفعال ( أي الأسماء الإلهية التي اختصت بالخلق كالرزاق و المميت )، أمّا مَن أحب أن يستزيد أكثر من هذا النوع من العلوم فعليه أن يطلبه في مواضعه من صدور و أفواه خاصة علماؤه الكرام الأفاضل.

و الحمد لله رب العالمين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى