بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدي محمد وعلى آله وصحبه وسلم, نون الوجود وخير عبد الرب المعبود من أرسله الحق رحمة للعالمين الأولين والآخرين
عبد الحق مواطن عربي, ومثله مثل أي مواطن عربي يبحث عن فرصة لتحسين معيشته وظروف حياته, وقد لاحت أمامه الفرصة في برنامج ”المواهب العربية“ الجديد, النسخة المقلدة للبرنامج الأمريكي المماثل, حيث يتوجه العرب ممن يعتقدون بأنفسهم الموهبة ليتقدموا أمام لجنة مكونة من ثلاثة حكام وأمام الجماهير يعرضون موهبتم, وهكذا يتم قبول البعض ورفض الآخر حتى ينتهي الأمر بمشترك واحد يكون هو الفائز بالجائزة الكبرى مع فرصة لتقديم عرضه في عروض مدفوعة الثمن, وهذا تماماً ما أراده عبد الحق, فذهب وأعطوه الرقم 50505 ولما جاء دوره وصعد إلى المسرح ووقف أمام الحكام :
القضاة : ما اسمك .
عبد الحق : عبد الحق سعيد ابن صادق .
القضاة : وماهي موهبتك ؟
عبد الحق : في الواقع … احم احم .
وبدأت تظهر على عبد الحق علامات الارتباك .
القضاة : نرجو منك عدم التوتر نحن هنا لنستمع إليك .
عبد الحق : حسناً, لقد رأيت الكثير من العرب الذين يغنون مختلف الأنماط الغنائية, ورأيت من يرقصون رقصاً عربياً أو أجنبياً, وشاهدت من يتشقلب ومن يقفز, وشاهدت من يلعب ألعاب الخفة, حتى أنني شاهدت الكثير ممن هم موهوبون بإثارة سخرية الناس عليهم, إلا أن موهبتي لا علاقة لها بكل ذلك .
نظر الحكام بتعجب …!!!
عبد الحق : وأكاد أقول أنني واحد من قلة في هذا الوطن الذين لديهم هذه الموهبة .
القضاة : هل تمارس موهبتك هذه كهواية أم كوسيلة كسب معيشتك ؟
قهقه عبد الحق وقال متعجباً : وسيلة كسب معيشة !! إن موهبتي هذه لا يمكن أن تكون وسيلة كسب معيشة في وقتنا الحالي .
القضاة باستغراب : وما هي موهبتك يا عبد الحق شوقتنا ؟
عبد الحق : موهبتي هي ” قول الحق” .
القضاة : مصعوقين من الجواب : قول الحق !!!
عبد الحق : نعم, اختاروا ما تشاؤون فأخبركم بحقيقته, ما رأيكم أن نبدأ بكم أيها الحكام .
القضاة بكل إحراج وبعد الضغط على زر الرفض : نعتذر منك فنحن لا نستطيع قبول هكذا موهبة .
عبد الحق : لماذا ؟ صدقوني إن الكثير يرقص, والكثير يغني, والكثير … والكثير … ولكن القليل هم من يتمتعون بموهبتي .
القضاة : يا عبد الحق, إننا نختار المواهب لترفيه الناس لا لتطفيشهم .
فكيف ترفه الناس بقول الحق ؟
عبد الحق : سبحان الله ومتى كان قول الحق تطفيشاً !؟
القضاة : ومتى كان قول الحق ترفيهاً ؟
عبد الحق : صار الحق ترفيهاً, عندما أصبحنا نسمع الكذب في كل مكان, ونسمع الكذب من كل شخص, ولا نسمع إلا الكذب من خروجنا من بيوتنا وحتى عودتنا إليها, بل ومن الناس من يستمر الكذب يلاحقه حتى ينام, بل وغالب الناس من يلاحقهم الكذب حتى في مناماتهم، أفلا يستحق هذا المواطن أن يترفه بشيء من الحق ؟
القضاة : عذراً لا يمكننا قبول هذه الموهبة, إن عالم الإعلام كله مبني على الأكاذيب والخداع والمصالح السياسية والمالية, الأخبار, البرامج الثقافية, البرامج العلمية, كل ذلك لا يمكن أن يكون حقاً, بل يجب أن نتلاعب به حتى نحصل على أكبر مكسب مادي .
عبد الحق : مبتسماً, لقد رُفض الحق مهنة ورُفض موهبة, رُفض ترفيهاً ورُفض ضرورة, الحمد لله الذي جعلني ممن قبلوا الحق .
فإذا كنت من الموهوبين بقول الحق, فموهبتك نادرة, ولكنها مرفوضة .