إلا أنه ورد كذلك في القرآن الكريم بمعنى (( القبض و الإمساك )) ، و نقيضه البسط ، و في هذا المعنى نهى الله تعالى العبد عن شدّة الإمساك و شدّة البسط في الإنفاق في قوله تعالى بعد بسم الله الرحمن الرحيم :
*ويدخل في باب الغِلّ شرعا (( كل ما قبض عن منصب ما من عطاء لم يكن للعبد أن يحصّله دون هذا المنصب ، و كذا كل أمانة ماديّة أمسك العبد جزءا منها أو كلها عن صاحبها فأدى أمانته منقوصة )).
وفي هذا ورد في صحيح ابن خزيمة : عن عدي بن عميرة الكندي قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله و صحبه وسلم : ” من عمل منكم لنا على عمل فكتمنا منه مخيطا فما فوقه فهو غِلّ يأتي به يوم القيامة “، و المخيط هنا هو الإبرة ، فإمساك إبرة فما فوقها من الغل … فتنبه !
*و أما البعد الروحي لمعنى و روح الغِلّ – و فهمه من أنوار علم الحرف المعنوي – فيمكن فيه أن نقول :
أن روح الغِلّ هي : (( إحكام وصل قلب العبد بالحُجُب الموهومة و الأَعرَاض فيصبح هذا الوصل بها هو الفاعل في عوالم العبد )).
و تشمل هذه الأَعرَاض كل مناحي الحياة الماديّة من مال و زينة و متاع .. فالعبد إذا تجلت عليه روح الغِلّ مالَ قلبه إلى قبض و إمساك هذه الأعراض لنفسه، يقول حبيبي عز و جل بعد بسم الله الرحمن الرحيم :
فلا غِلّ بين أهل الجنة بل مُطلَق البسط و السخاء، و من جميل ما نفهمه في هذه الآية هو زوال روح القبض و التملك الذي نراه في أيامنا هذه من الزوجة لزوجها، حيث يتلون الحبّ الدنيوي بألوان التملك و الإمساك عن الزواج بأخرى، فروح القبض المادّي هذه غير مقبول بها في الجنة لأنها تدخل في باب الغِلّ المَرَضِي .. لذا كان الحال الطبيعي أن للرجل من أهل الجنة نصيب من الحور العِين و غيرها من النساء .
*و الغِلّ من (( مذهبات و مزيلات الحسنات )) و جاء في الجامع في الحديث لابن وهب : عن ابن مسعود ، أن النبي صلى الله عليه و آله و صحبه وسلم قال : ” الغل أذهب لحسنات الرجل من الشمس للجليد “
*و الغِلّ من (( ممسكات القلب عن الحب )) فقد جاء في مسند الشاميين للطبراني : أن النبي صلى الله عليه و آله و صحبه وسلم قال : ” لا إيمان لمن لا أمانة له , والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا , ولا تؤمنوا حتى تحابوا ولا تحابوا حتى يذهب الغِلّ من صدوركم , ألا أخبركم بأمر إذا فعلتموه تحاببتم ؟ : قالوا : بلى قال : أفشوا السلام “.
شفى الله قلوبنا من الغل و رزقنا و إياكم الإحسان في الكرم و السخاء