مجلة كلمة الله تعالى

(موافق – بقلم : معالي فضيلة الشيخ الدكتور لواء فلازي – العدد (81

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صلى على سيدنا محمد السر الساري فينا بمنتهى اللطف وسلم عليه تسليماً يحققنا بسر (( وتقلبك في الساجدين )) سبحانك ، وآله وصحبه وسلم

 

الطبيب : لقد نجا بأعجوبة من الحادث، ولكن وضعه خطير .

الأهل : ماذا تقصد يا دكتور ؟

الطبيب : لقد تضرر النخاع الشوكي والجهاز العصبي المركزي وأظنة سيفقد الكثير من قدراته .

الأهل بصدمة كبيرة : هل تقصد أنه لن يستطيع أن يرى أو يسمع ؟

الطبيب : ليس فقط هذا، ولكن الضرر في الجهاز العصبي جراء الصدمة كان كبيراً، وأخشى أنه لن يستطيع الإحساس بأي شيء أو حتى الحركة .

الأهل : ماذا ؟

الطبيب : آسف, ولكن أريدكم أن تستعتدوا لهذا الإحتمال .

الأهل : وكيف سيعيش وهو لا يشعر ولا يرى ولا يسمع ولا يتحرك ؟

الطبيب : في مثل هذه الحالات النادرة يمكن وضع المريض في البداية على أجهزة تضمن استمرار وظائفه الحيوية .

الأهل : ماذا تقصد في البداية ؟

الطبيب بتردد : أطول الحالات التي استمرت معنا عام .

الأهل : وماذا حصل بعد عام .

الطبيب : عام من المعاناة كفيلة بأن تغير رأي الأهل وتمسكهم بمريضهم و يطلبوا إيقاف الآلة .

الأهل : لا , مستحيل لا نستطيع أن نقتل ابننا بأيدينا .

الطبيب : في الواقع أنا لا أقول لكم هذا الكلام إلا لأن هناك أمل .

الأهل : أمل, يارييت يا دكتور ما هو ؟

الطبيب : ولكني لا أعدكم بشيء .

الأهل : موافقون .

الطبيب : هناك جهاز تم تطويره عالمياً وهو قيد التجريب على البشر, ونحتاج لحالة شلل تام مثل حالة ابنكم حتى نجرب هذا الجهاز .

الأهل : وماذا يفعل الجهاز ؟

الطبيب : إننا متيقنون بأن مرضى الشلل التام على الرغم من انقطاع الحواس الظاهرة لديهم والقدرة على الحركة إلا أنهم في باطنهم أحياء .

الأهل باهتمام : ماذا تقصد بأحياء ؟

الطبيب : أي أنه يفكر ويتذكر ويرغب و ….

الأهل : آه .. كم هو صعب أن يرغب الآن ابننا برؤيتنا فلا يستطيع ونحن أقرب إليه .

الطبيب : نعم ولهذا كانت فكرة الجهاز هو التواصل معه في عالمه الباطن وفتح بوابة للتواصل مع الظاهر .

الأهل : لم نفهم ما تقوله يا دكتور ؟

الطبيب : ببساطة, إذا أراد ابنكم أن يراكم فهو سيريد ذلك في الباطن, ولو كانت حواسه تعمل وعضلاته سليمة لتحرك لرؤيتكم ولكن للأسف بهذه الحالة لا يستطيع .

الأهل : وماذا يحصل مع الجهاز ؟

الطبيب : يقوم بإرسال هذه الرغبة إلى غرفة تحكم مركزية, فترسل هذه الغرفة الأوامر على شكل نبضات كهربائية إلى كل الأعضاء اللازمة لتنفيذ هذا الأمر في ابنكم فيحصل على ما يرغب تماماً كما كان من قبل .

الأهل : ممتاز, وهل سيضطر لتركيب هذا الجهاز دائماً .

الطبيب : طبعاً .. لأنه بدون هذا الجهاز سيكون في حالة شلل تام, ولكن الجهاز كله على بعضه بحجم اسوارة يضعها على معصمه ويرسل الإشارات عبر الأقمار الصناعية إلى غرفة التحكم المركزية .

الأهل : وما هي المشاكل التي يمكن أن تحصل ؟

الطبيب : المشكلة الوحيدة حالياً هي أن الجهاز وبإعتباره قيد التجريب فإن الأوامر كلها ليست أوتوماتيكية بل هناك مديراً مختصاً ومسؤولاً على دراسة الرغبات التي تتلقاها غرفة التحكم المركزي من الجهاز ثم يضغط زر الموافقة فيتم ارسال الإشارات الكهربائية ليشعر ويتحرك .

الأهل : يعني إذا وافق المدير تحققت الرغبة وإذا لم يوافق ؟

الطبيب : يبقى ابنكم كما هو في حالته دونما حراك .

الأهل : ولماذا لا يجعلون الأمر أوتوماتيكياً من البداية ؟

الطبيب : لأن الجهاز جديد ونخشى أن تحصل أخطاء تقنية تؤدي إلى توقف أعضاء أو عملها بشكل غير نظامي .

الأهل : بأي حال, مهما كانت نتائج عمل الجهاز فهو أفضل من عدمه .

الطبيب : نعم .. بالتأكيد على الأقل نستطيع التواصل مع ابنكم ولو ببطئ .

الأهل : موافقون توكلنا على الله تعالى .

 

بعد أن تم تركيب الجهاز وتعريفه على غرفة التحكم المركزية اجتمع الأهل والطبيب ليروا أولى النتائج .

 

الطبيب عبر اللاسلكي مع غرفة التحكم : لقد تم التركيب هل تستلمون أي إشارة ؟

المدير : لا ليس بعد, لم يتعرف الجهاز بعد على نمط المريض نحتاج لبضع ثواني .

الطبيب : ماذا يمكننا أن نفعل ؟

المدير : حاول أن تجلس أهل المريض بجانبه وأن يتوجهوا إليه وكأنهم يكلموه .

الطبيب : نعم فوراً .

 

وما هي إلا ثوانٍ حتى أجاب المدير .

المدير : تمام .. تمام, إني أستلم إشارة .

الطبيب والأهل : ماهي ؟

المدير : يريد أن يفتح عينيه .

ارتمت الأم على اللاسلكي وهي تترجى المدير : أرجوك وافق على رغبته هذه أرجوك …

الطبيب يحاول تهدئة الوالدة : أرجوك أن تهدئي, كلنا هنا نريد لابنكم الشفاء ولكن لصالحه نفعل ذلك .

المدير : أرجو أن تتفهموا أن أي أمر يتم دراسته لمصلحة المريض ولعدم تعريضه للخطر .. وعلى ما يبدو أن هذه الرغبة لا خطر في تنفيذها وها أنا أضغط على زر موافق .

وما هي إلا ثانية حتى فتح الابن عينيه .

المدير : يا إلهي إنني أتلقى المئات من الرغبات, يريد أن يحرك يده وينهض ويعانق أمه وينظر إلى المرآة …

الطبيب : رويدك رويدك لا نستطيع الموافقة على ذلك كله لكي لا تتمزق أعصابه .

المدير : سأوافق حالياً فقط على الكلام وها أنا أضغط زر موافق .

وما هي إلا ثانية حتى بدأ الابن بالكلام وكل كلمة لا ينطق بها حتى يتم الموافقة عليها من قبل المدير في غرفة التحكم .

الإبن : أنا

بعد ثانية

الإبن : خائف

بعد ثانية

الإبن : ماذا جرى لي

 

لم يستطع الأهل الإجابة من فرط اختلاط مشاعرهم بين الحزن على حالة ابنهم والفرح لقدرتهم التواصل معه .

 

الأم : أنت بخير يا ابني أنت بخير .

الأب : لقد حصل لك حادث وأنت الآن بخير .

الإبن : ولكنني أتكلم ببطء ولا أستطيع الحركة .

نظر الأب إلى الطبيب نظرة يطلب بها منه السماح للابن ولو بشيء من الحركة، فوافق الطبيب .

وما هي إلا ثانية حتى حرك الابن يده و جسمه يما يكفي ليجلس على السرير جلوساً .

الإبن : ماذا يحصل لي يا أبي ؟

بعد ثانية .

الإبن : لماذا أتأخر بالحركة ؟

بعد ثانية .

الإبن : وهناك حركات لا أستطيعها .

الأب : معلش يا بني هدئ من روعك القصة طويلة المهم الآن أنك تسمعنا وترانا وتتكلم معنا .

 

وهكذا وبعد ساعتين من المعاناة تأقلم الجميع مع الوضع الجديد ورووا شيئاً من أشواقهم واستطاع الطبيب أن يغادرهم, أما المدير فإنه لا يستطيع أن يترك غرفة التحكم حتى تنتهي ورديته ويأتي المدير الجديد .

كل شيء كان على أحسن ما يرام إلا أن حصل الأمر التالي ..

نام الابن فقرر المدير أن يستغل فرصة نوم الابن ويستمتع بتناول طعام العشاء, ولكنه وعندما كان ينهض سقطت بدون أن يشعر علبة الأقلام فضغطت على زر موافق وبقي مضغوطاً .

 

وماهي إلا دقائق حتى استيقظ الابن و استطاع التحرك والتكلم مع والديه بل واللعب أيضاً وعادت حياته طبيعية مئة بالمئة وهو لا يدري أن هناك زر موافق يوافق على كل رغبة يرغبها, فنسي هو ومن حوله ذلك وطال عليهم الأمد على قصره و عاد الأمر فالتبس عليهم وظنوا أن ابنهم هو الذي يتحرك من ذاته كما كان من قبل وهو الذي يتكلم من ذاته كما كان من قبل وغفلوا على علمهم بأن هناك غرفة تحكم وهناك زر يوافق على رغباته في الحركة والكلام, وأنه إذا اهتزت علبة الأقلام قليلاً لتغير كل شيء .

 

فماذا لو كنا كلنا هذا الابن ؟

ماذا لو كان هناك من يضغط لنا زر موافق على كل رغبة نريدها حتى توهمنا على طول الأمد أننا من يتحرك ويفعل والتبس علينا الأمر ؟؟

ماذا لو كان المدير الذي يشرف على غرفة تحكمنا لا يغفل ولا يأكل ولا يشرب بل يضغط على زر موافق بملئ إرادته ؟؟

ماذا لو اكتشفت يوماً ما أنك كنت بلا حركة ولا حس بل في حالة شلل تام وأن غرفة التحكم هي التي كانت تحركك ؟ هل ستشعر بالندم على كل الأعمال التي طلبتها من غرفة التحكم والتي تتنافى مع مبادئ غرفة التحكم ورضاها ولكن لكرم المدير وافق على رغبتك ؟

ألن تشعر بحقيقة ضعفك ؟

ألن تشعر برغبة شديدة بأن تتعرف على هذا المدير التي يوافق على رغباتك فيحولها إلى أعمال ؟

أم أنك ستطلب منه أن يحقق رغباتك أنت وما تريده أنت ولا تعبأ به ؟

أسئلة كثيرة قد تبدو لك خيالية اليوم …

ولكن ….

صدقني …

في أحد الأيام …

ستكون هذه هي الحقيقة الوحيدة …

وأتمنى أن لا يكون قد تأخر الوقت …

 

كل زر موافق وأنتم بخير …

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى