وصلى الله على سيدنا محمد شــُعلة الباحثين عن الحق في ظلماء الوجود, هادي الناس إلى رب العالمين وآله وصحبه وسلم .
من السنّة الشريفة أن نواظب على الركعتين بعد كل وضوء بشرط أن لا نحدّث فيهما أنفسنا بشيء لم يشرع من أمور الدنيا أو بشيء لنا في الصلاة, ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى شيخ يسلك به حتى يقطع عنه الخواطر المشغلة عن خطاب الله تعالى .
واعلم أن حديث النفس المذموم ليس هو رؤية القلب لشيء من الأكوان كما توهمه بعضهم, فإنه ليس في قدرة العبد أن يغمض عين قلبه عن شهود أنه في مكان قريب أو بعيد من بستان أو جامع أو غير ذلك, فإن في حديث الصحيحين أنه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال :” رأيت الجنة والنار في مُقامي هذا “. وكان ذلك في صلاة الكسوف, فلو كان ذلك يقدح في كمال الصلاة لما وقع له صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ذلك, وحمل بعضهم ما وقع له صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم على قصد التشريع لأمته .
وأما ما نـُـقل عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه من تجهيز الجيوش في الصلاة, فذلك لكماله, لأن الكُـمل لا يشغلهم عن الله تعالى شاغل مع أن ذلك كان في مرضاة الله عز وجل .
فاسلك يا أخي على يد شيخ ناصح يشغلك بالله تعالى حتى يقطع عنك حديث النفس في الصلاة كقولك : أذهب لكذا أفعل كذا .. أقول كذا أو نحو ذلك, وإلا لازمك حديث النفس في الصلاة, ولا يكاد يسلم لك منه صلاة واحدة لا فرض ولا نفل, فاعلم ذلك وإياك أن تريد الوصول إلى ذلك بغير شيخ كما عليه طائفة المجادلين بغير علم فإن ذلك لا يصح لك أبداً .
وقد قال الجنيد يوماً للشبلي وهو مريد : يا أبا بكر, إن خطر في بالك من الجمعة إلى الجمعة غير الله فلا تأتنا فإنه لا يجيء منك شيء .
قلت : ومراده بغير الله عز وجل غير ما لا يرضيه من المعاصي وإلا فحضور الطاعات على القلب لا يقدح في السالك بالإجماع : { لَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } النور46
وروى الشيخان أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال لبلال : ” يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام, فإني سمعت دُف نعليك بين يدي في الجنة, قال ما عملت عملا ً أرحى عندي من أني لم أتطهر طهوراً في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي “.
والدف بضم الدال هو صوت النعل حال المشي, والمعنى أني رأيتك مطرقاً بين يدي كالمرقين بين يدي الملوك والأمراء كما مر في عهد المواظبة على الوضوء وإن اختلف لفظ الواقعة .
وروى مسلم وأبو داود والنسائي ابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه مرفوعاً : ” ما من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين يقبل بقلبه ووجهه عليهما إلا وجبت له الجنة “.
وفي رواية لأبي داود مرفوعاً : ” من توضأ فأحسن الوضوء و ثم صلى ركعتين لا سهو فيهما غفر له ما تقدم من ذنبه “.
قلت قواعد الشريعة تقتضي أن السهو محمول عن العبد في صلاته : ولكن لما فرط العبد بعدم تفريغ نفسه من الشواغل قبل الدخول قي الصلاة ثم سها كان عليه اللوم, لو أنه فرغ نفسه ثم سها لم يكن عليه لوم، والله تعالى أعلم .
وروى الشيخان وغيرهما مرفوعاً : ” من توضأ نحو وضوئي هذا يعني ثلاثاً ثلاثاً ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه “.
وفي رواية للإمام أحمد : ” ثم صلى ركعتين أو أربعاً “.