بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صلي على سيدنا محمد إمام الأولياء وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
إن لصحبة الصالحين أثر كبير في صلاح النفوس , والإطلاع على سيَرهم وحياتهم وحكمهم لَهُوَ موعظة وشحذ للهمم حتى نصل إلى المولى عز وجل بقلب سليم , ولهذا سأختار لكم : الشيخ الجليل حاتم الأصم .
حاتم الأصم : 227 للهجرة
حاتم الأصم، أبو عبد الرحمن، من مشايخ خراسان، صحب شفيق ابن إبراهيم البلخي؛ وكان أستاذَ أحمد بن خضرويه.
مات سنة سبع وثلاثين ومائتين.
ولم يكن أصم، وإنما جاءته امرأة تسأله مسألةً، فاتفق أن خرج منها ريح ، فخجلت فقال حاتم : “ارفعي صوتك ” وأرى من نفسه أنه أصم ، فسُرت بذلك ، وقالت : ” أنه لم يسمع الصوت !” فغلب عليه ذلك، حكاه أبو علي الدقاق .
من كلامه : ” الزم خدمة مولاك، تأتك الدنيا راغمةً، والأخرى راغبةً”.
وقال : ” تعّهدْ نفسك في ثلاثة مواضع إذا عملتْ فاذكر نظر الله تعالى إليك، وإذا تكلمتْ فاذكر سمع الله تعالى إليك ، وإذا سكتْ فاذكر علم الله تعالى فيك “.
وقال : “من ادعى ثلاثاً بغير ثلاث فهو كذّاب: من أدعى حب اللهِ تعالى من غير ورع من محارمه ؛ ومن ادعى حب الجنةِ من غير أنفاق ماله ؛ ومن ادعى محبةَ الرسول من غير محبة الفقراء”.
وقال له رجل :” ما تشتهي ؟”، فقال : ” أشتهي عافيةَ يوم إلى الليل ” فقيل له أليست الأيام كلها عافيةَ ، فقال :” عافيةَ يومي ألا أعصي اللهَ تعالى فيه “.
و سئِل :”علامَ بنيت أمرك هذا في التوكل على الله تعالى ” قال :”على خصالِ أربع: علمت أن رزقي لا يأكله غيري، فاطمأنت به نفسي، وعلمت أن عملي لا يعمله غيري، فأنا مشغول به، وعلمت أن الموت يأتيني بغتةً، فأنا أبادره، وعلمت أني لا أخلو من عين الله تعالى حيث كنت، فأنا مستحٍ منه”.
وقال : “ما من صباح إلا والشيطان يقول لي: ما تأكل وما تلبس وأين تسكن, فأقول: أّكل الموت، ألبس الكفن، وأسكن القبر”.
وقيل له :” من أين تأكل فقال ولله تعالى خزائن السمواتِ والأرض ولكن المنافقين لا يعلمونَ”.
وقال :”لقينا الترك الكفار ، وكان بيننا جولة ، فرماني تركي كافر ، فقلبني وقعد على صدري، وأخذ بلحيتي، وأخرج من خفهِ سكيناً ليذبحني، فوَحَقِ سيدي ما كان قلبي عنده، ولا عند سكينه، إنما كان قلبي عند سيدي، لأنظر ماذا ينزل منه بي، فقلت: قضيت سيدي ذلك! فعلى الرأس والعين إنما أنا ملكك! فبينما أنا أخاطب سيدي، وهو قاعد على صدري، آخذ بلحيتي ليذبحني، إذا رماه المسلمين بسهم، فما أخطأ حلقه، فسقط عني، فقمت أنا إليه، وأخذتها من يده، وذبحته بها كما هو, ألا أن تكون قلوبكم عند السيد، حتى تروا من عجائب لطفه ما لم تروا من الآباء والأمهات”.
وذكر ابن عساكر في “تاريخه” حكاية في معنى هذه- وهي غريبة- عن علي بن حرب ، قال : خرجنا من الموصل في سفينة نريد سري في رأي، فإذا بسمكة قد وثبت من الماء إلى السفينة، فقال أحداث كانوا معنا: اعدلوا بنا إلى الشط ، نطلب حطباً نشويها فجئنا إلى خربة فدخلناها ، فوجدنا رجلا مذبوحاً ، ورجلا مكتوفاً قائماً ،فسألنا الرجل عن القصة، فقال: هذا المكاري عدا من القافلة في الليل ، فشدني وثاقاً – كما ترون – وعزم على قتلي ، فناشدته الله تعالى ، وقلت: يا هذا! خذ جميع ما معي، ولا تقتلني!. فأبى إلا قتلي، فأنتزع سكينا معه، فعسرت عليه فاجتذبها، فمرت على أوداجه فذبحته، قال: فأطلقنا يديه، فوثبت السمكة في الماء وذهبت”.